فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} يعني: من عذاب يوم القيامة.
والويل: الشدة من العذاب.
يقال: الويل وادٍ في جهنم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{والذاريات ذَرْوًا} الرياح التي تذرو التراب ذروًا، يقال: ذرت الريح التراب وأذرته.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا الحسن بن أيوب، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدّثنا سيار بن حاتم قال: حدّثنا أيوب بن خَوط قال: حدّثنا عمر الأعرج قال: بلغنا أنّ مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيّين حملة الكرسي، فتهيج من ثمّ فتقع بعجلة الشمس، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال، ثم تهيج من رؤوس الجبال فتقع في البر. فأمّا الشمال فإنّها تمرّ بجنّة عدن، فتأخذ من عرق طيبها فتمرّ على أرواح الصدّيقين، ثّم تأخذ حدّها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس، ويأتي الدبور حدّها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل، ويأتي الجنوب حدّها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس، ويأتي الصبا حدّها من مطلع الشمس إلى كرسيّ بنات نعش، فلا تدخل هذه في حدّ هذه، ولا هذه في حدّ هذه.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، قال: حدّثنا الحكم سليمان، قال: حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه {والذاريات ذَرْوًا}، قال: (الرياح).
{فالحاملات وِقرًا} قال: (السحاب).
{فالجاريات يُسْرًا} قال: (السفن).
{فالمقسمات أَمْرًا}، قال: (الملائكة).
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الخير والشر والثواب والعقاب {لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدين} الحساب والجزاء {لَوَاقِعٌ} لنازل كائن.
ثم ابتدأ قَسَمًا آخر فقال عزّ وجلّ: {والسماء ذَاتِ الحبك} قال ابن عباس وقتادة والربيع: ذات الخلق الحسن المستوي، وإليه ذهب عكرمة، قال: ألم ترَ إلى النّسّاج إذا نسج الثوب فأجادَ نسجه، قيل: ما أحسن حبكه وقال سعيد بن جبير: ذات الزينة، وقال الحسن: حبكت النجوم.
مجاهد: هو المتقَن البنيان، الضحاك: ذات الطرائق، ولكنّها بعيد من العباد فلا يرونها، قال: ومنه حَبكَ الرمل والماء إذا ضربهما الريح، وحبك الشعر الجعد والدرع، وهو جمع حباك وحبيكة، قال الراجز:
كأنما جلّلها الحوّاك ** طنفسة في وشيها حباك

ومنه الحديث في صفة الجبال: «راسية حبك حبك» يعني الجعودة، وقال ابن زيد: ذات الشدّة، وقرأ قول الله سبحانه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ: 12]، وقال عبد الله بن عمرو: هي السماء السابعة.
{إِنَّكُمْ} يا أهل مكة {لَفِي قول مُّخْتَلِفٍ} في القرآن ومحمد عليه السلام، فمن مصدّق ومكذّب، ومقرّ ومنكر، وقيل: نزلت في المقتسمين.
{يُؤْفَكُ} يصرف {عَنْهُ} أي عن الإيمان بهما {مَنْ أُفِكَ} صرف فنجويه، وقيل: يصرف عن هذا القول، أي من أجله وسببه عن الإيمان من صرف، وذلك أنهّم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون له: إنّه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإيمان، وهذا معنى قول مجاهد.
وقد يكون (عن) بمعنى (أجل). أنشد العبسي:
عن ذات أولية أُساودُ ربّها ** وكأن لون الملح فوق شفارها

أي من أجل ناقة ذات أولية.
{قُتِلَ} لعن {الخراصون} الكذابون.
وقال ابن عباس: المرتابون، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب الله، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام.
وقال مجاهد: الكهنة.
{الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ}: شبهة وغفلة {سَاهُونَ}: لاهون.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} متى يوم القيامة استهزاءً منهم بذلك وتكذيبًا.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ هُمْ} أي يكون هذا الجزاء في يوم هم {عَلَى النار يُفْتَنُونَ} يُعذّبون ويُحرقون ويُنضَجون بالنار كما يفتن الذهب بالنار. ومجازه بكلمة (على) ههنا: أنهم موقوفون على النار، وقيل: هو بمعنى الباء.
ويقول لهم الخزنة: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذا} ولم يقل هذه؛ لأنّ الفتنة هاهنا بمعنى العذاب، فردّ الإشارة إلى المعنى {الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}.
{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} من الثواب وأنواع الكرامات.
وقال سعيد بن جبير: تعني آخذين بما أمرهم ربّهم، عاملين بالفرائض التي أوجبها عليهم.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} قبل دخولهم الجنة {مُحْسِنِينَ} في الدنيا، وقيل: قبل نزول الفرائض محسنين في أعمالهم.
{كَانُواْ قَلِيلًا مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} اختلف العلماء في حكم (ما)، فجعله بعضهم جحدًا، وقال: تمام الكلام عند قوله: {كَانُواْ قَلِيلًا} أي كانوا قليلا من الناس، ثم ابتدأ {مَا يَهْجَعُونَ} أي لا ينامون بالليل، بل يقومون للصلاة والعبادة، وجعله بعضهم بمعنى (الذي)، والكلام متّصل بعضه ببعض، ومعناه: كانوا قليلا من الليل الذي يهجعون، أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم؛ لأنّ (ما) إذا اتصل به الفعل، صار في تأويل المصدر كقوله: {بِمَا ظلموا} [النمل: 52] أي بظلمهم، وجعله بعضهم صلة، أي كانوا قليلا من الليل يهجعون.
قال محمد بن علي: «كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة»، وقال أنس بن مالك: يصلّون ما بين المغرب والعشاء، وقال مطرف: قلّ ليلة تأتي عليهم لا يصلّون فيها لله سبحانه، إما من أوّلها، وإما من أوسطها، وقال الحسن: لا ينامون من الليل إلاّ أقلّة، وربما نشطوا فمدّوا إلى السحر.
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم}، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
وقال قتادة والزهري: السائل الذي يسألك، والمحروم: المتعفف الذي لا يسألك، وقال إبراهيم: هو الذي لا سهم له في الغنيمة، يدلّ عليه ما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسين بن محمد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّة فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة، فنزلت هذه الآية، وقال عكرمة: المحروم: الذي لا ينمي له مال، وقال زيد بن أسلم: هو المصاب بثمره أو زرعه أو نسل ماشيته.
أخبرني الحسن بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا الحسن بن علي الفارسي قال: حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: حدّثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن محمد بن كعب القرظي: المحروم صاحب الحاجة، ثم قرأ: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: 67]، ونظيره في قصة ضروان {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [القلم: 27]، وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبد [...] عن شعبة عن عاصم يعني الأحول عن أبي قلابة، قال: كان رجل من أهل اليمامة له مال، فجاء سيل فذهب بماله، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المحروم فاقسموا له.
وقال الشعبي: أعناني أن أعلم ما المحروم، لقد سألت عن المحروم منذ سبعين سنة، فما أنا اليوم بأعلم مني من يومئذ. وأصله في اللغة الممنوع، من الحرمان، وهو المنع.
أخبرنا أبو سهيل بن حبيب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن موسى قال: حدّثنا أبو بكر بن محمد بن حمدون بن خالد قال: حدّثنا علي بن عثمان النفيلي الحراني، قال: حدّثنا علي بن عباس الحمصي، قال: حدّثنا سعيد بن عمارة بن صفوان الكلاعي عن الحرث بن النعمان ابن أُخت سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أنس ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون: يا ربّ ظلمونا حقوقنا التي فرضتها عليهم. قال: فيقول: وعزّتي وجلالي لأقربنّكم ولأُبعدنّهم».
قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه هذه الآية: {وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم}.
{وَفِي الأرض آيَاتٌ} عِبَرٌ وعظات إذا ساروا فيها.
{آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ}.
{وفي أَنفُسِكُمْ} أيضًا آيات {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر بن الطيب الكلماباذي بقراءتي عليه، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص، قال: حدّثنا السري بن خزيمة الآبيوردي، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا سفيان عن ابن جريج عن محمد بن المرتفع عن الزبير {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}، قال: سبيل الغايط والبول، وقال المسيب بن شريك: يأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج من مكانين، ولو شرب لبنًا محضًا خرج ماء، فتلك الآية في النفس.
وقال أبو بكر الوراق: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} يعني في تحويل الحالات وضعف القوة وقهر المنّة وعجز الأركاب وفسخ الصريمة ونقض العزيمة، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنّه وضع رزقك حيث لا يأكله السوس ولا يناله اللصوص، فقال سبحانه: {وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} يعني المطر والثلج اللذين بهما تخرج الأرض النبات الذي هو سبب الأقوات، وقال بعض أهل المعاني: معناه: وفي المطر والنبات سبب رزقكم، فسمّي المطر سماء؛ لأنّه عن السماء ينزل، قال الشاعر:
إذا سقط السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

وقال ابن كيسان: يعني وعلى ربّ السماء رزقكم {فِي} بمعنى (على) كقوله: {فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71]، وذكر الربّ مختصرًا، كقوله: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82]، ونظيره قوله: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} [هود: 6].
وأخبرني عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير، قال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا هارون بن المعتز من أهل الري عن سفيان الثوري قال: قرأ واصل الأحدب هذه الآية: {وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال: ألا أرى رزقي في السماء، وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث ثلاثًا لا يصيب شيئًا، فلمّا أن كان اليوم الثالث إذا هو يرى جلّة من رطب، وكان له أخ أحسن نيّة منه فدخل معه (فصارتا جلّتين)، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق بينهما الموت.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن خميس قال: حدّثنا ابن مجاهد قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم البغوي قال: حدّثنا ابن أبي بزّة، قال: حدّثنا حسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن شبل بن عبّاد عن ابن (أبي نجيح) أنّه قرأ (وفي السماء رازقكم وما توعدون) بالألف يعني الله. قال مجاهد: {وَمَا تُوعَدُونَ} من خير أو شر، وقال الضحاك {وَمَا تُوعَدُونَ} من الجنة والنار، وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويّة قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيب بن شريك قال: قال أبو بكر بن عبد الله: سمعت ابن سيرين يقول: {وَمَا تُوعَدُونَ}: الساعة.
{فَوَرَبِّ السماء والأرض إِنَّهُ} يعني أن الذي ذكرت من أمر الرزق {لَحَقٌّ مِّثْلَ} بالرفع قرأه أهل الكوفة بدلا من (الحق)، وغيرهم بالنصب أي كمثل.
{مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} فتقولون: لا إله إلاّ الله، وقيل: كما أنّكم ذوو نطق خصصتم بالقوة الناطقة العاقلة فتتكلمون، هذا حق كما حق أنّ الآدمي ناطق، وقال بعض الحكماء: كما أنّ كلّ انسان ينطق بلسان نفسه، ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كلّ إنسان يأكل رزقه الذي قسم له، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره، وقال الحسن في هذه الآية: بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله أقوامًا أقسم لهم ربّهم بنفسه فلم يصدّقوه».
حدّثنا أبو القاسم بن حبيب قال: أخبرنا أبو الحسن الكائيني وأبو الطيّب الخياط وأبو محمد يحيى بن منصور الحاكم في القسطنطينية قالوا: حدّثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي، قال: حدّثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياسي البصري، قال: سمعت الأصمعي يقول: أقبلتُ ذات يوم من المسجد الجامع في البصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس، فدنا وسلم وقال لي: مَن الرجل؟، قلت: من بني الأصمع، قال: أنت الاصمعي؟ قلت: نعم، قال: ومن أين أقبلت؟، قلت من موضع مليء بكلام الرَّحْمن، قال: وللرَّحْمن كلام يتلوه الآدمين.
قلت: نعم، قال: اتلُ عليّ شيئًا منه، فقلت له: انزل عن قعودك. فنزل، وابتدأت بسورة والذاريات، فلمّا انتهيت إلى قوله سبحانه: {وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}. قال: يا أصمعي هذا كلام الرَّحْمن؟، قلت: أي والذي بعث محمدًا بالحق، إنّه لكلامه أنزله على نبيّه محمد، فقال لي: حسبك، ثم قام إلى الناقة فنحرها وقطعها كلّها، وقال: أعنيّ على توزيعها ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرمل وولّى مدبرًا نحو البادية وهو يقول: {وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
فأقبلت على نفسي باللوم وقلت: لم تنتبهي لما انتبه له الأعرابي، فلمّا حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفتّ فإذا أنا بالأعرابي نحيلًا مصفارًا فسلّم عليّ وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي: اتل كلام الرَّحْمن، فأخذت في سورة والذاريات، فلمّا انتهيت الى قوله: {وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، صاح الاعرابي فقال: وجدنا ما وعدنا ربنّا حقًا، ثم قال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم يقول الله سبحانه: {فَوَرَبِّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟، ألم يصدّقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قالها ثلاثًا وخرجت فيها نفسه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: حدّثنا أبو حاتم قال: حدّثنا شبانة، قال حدّثنا صدقة، قال حدّثنا الوضين بن عطاء عن زيد بن جرير أنّ رجلا جاع في مكان ليس فيه شيء، فقال: اللّهم رزقك الذي وعدتني فأتني به، قال: فشبع وروى من غير طعام ولا شراب.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن القاسم الخطيب. قال: حدّثنا إسماعيل بن العباس بن محمد الوراق، قال: حدّثنا الحسين بن سعيد بن محمد المحرمي، قال: حدّثنا علي ابن يزيد العبداني قال: حدّثنا فضيل بن مسروق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أنّ أحدكم فرّ من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت» وأنشدت في معناه:
الرزق في القرب وفي البعد ** أطلَبُ للعبد من العبد

لو قصّر الطالب في سعيه ** أتاه ما قدّر في قصد

وقال دعبل:
أسعى لأطلب رزقي وهو يطلبني ** والرزق أكثر لي مني له طلبًا

{هَلْ أَتَاكَ} يا محمد {حديث ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} اختلفوا في عددهم فقال ابن عباس ومقاتل: كانوا اثني عشر ملكًا، وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه سبعة، وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة: جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر {المكرمين} قال ابن عباس: سمّاهم مكرمين؛ لأنهّم كانوا غير مدعوّين.